القنيطرة – عبدالحق الدرمامي
عدسة /محمد المرابط
وسط أجواء من الانضباط والتنسيق المحكم، شهدت منطقة “الصومال” بالمخاليف عين السبع صباح الأربعاء واحدة من أكبر عمليات الهدم التي عرفتها مدينة القنيطرة خلال السنوات الأخيرة. أكثر من مئة منزل صفيحي، بعضها مشيّد بالإسمنت بطرق عشوائية، جرى هدمها تحت إشراف مباشر من رئيس الدائرة الحضرية الساكنية، السيد عبد الحميد غيوان، وبمواكبة ميدانية من القائد أمين العيساوي، رئيس الملحقة الإدارية التاسعة.
تدخّل منظم… وارتياح شعبي
لم تكن هذه العملية كسابقاتها، حيث أكدت مصادر من عين المكان أن الهدم تم في أجواء هادئة ومنظمة، دون تسجيل أي حوادث أو تجاوزات. عناصر القوات المساعدة وأعوان السلطة كانوا في الموعد لتأمين الموقع، فيما قامت فرق وكالة توزيع الماء والكهرباء بفصل الشبكات بشكل مهني، لضمان سلامة الجميع.
شهادات السكان كانت لافتة؛ فقد عبّر العديد منهم عن ارتياحهم لطريقة تدبير العملية، مشيدين بتواصل السلطات واحترامها لكرامة السكان، في خطوةٍ بدت للكثيرين “طيًا لصفحة من المعاناة التي استمرت لسنوات”، على حد تعبير أحد السكان.
نجاح يرتكز على الحكامة والمقاربة الاجتماعية
ما ميّز العملية، بحسب فعاليات جمعوية محلية، هو طريقة القيادة الميدانية التي تبناها رئيس الدائرة الحضرية. عبد الحميد غيوان، المعروف بخبرته وهدوئه، أدار الورش بتوازن لافت بين الحزم والإنصات. يقول أحد الفاعلين الجمعويين في المنطقة: “لم تكن مجرد عملية هدم، بل كانت ورشة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والإدارة”.
المقاربة التشاركية كانت حاضرة بقوة، حيث جرى إشراك الساكنة في كل مراحل التحضير، وتم توفير بدائل سكنية في إطار برنامج إعادة الإيواء الذي تشرف عليه السلطات المحلية بتعاون مع شركاء اجتماعيين.
القنيطرة تتنفس… ولكن
تأتي هذه الخطوة ضمن رؤية شاملة لإعادة هيكلة النسيج الحضري بالقنيطرة، في مواجهة بؤر الهشاشة التي تراكمت عبر سنوات من التهميش والعشوائية. لكن رغم الأجواء الإيجابية، يظل السؤال مطروحًا: هل ستكون هذه العملية نموذجًا يُحتذى في باقي الأحياء الهشة بالمدينة، أم أنها ستظل استثناءً في مشهد حضري معقد؟
المتتبعون للشأن المحلي يرون أن نجاح هذه العملية يضع السلطات أمام امتحان الاستمرارية والعدالة المجالية، خاصة في أحياء أخرى ما تزال تنتظر نصيبها من برامج التأهيل.
نهاية مرحلة… وبداية أخرى؟
من التاسعة صباحًا إلى السادسة مساءً، تحوّل “الصومال” إلى ورش مفتوح للهدم والتنظيم. ومع مغيب الشمس، كان التراب قد ابتلع بيوتًا احتضنت أحلامًا وانكسارات لعقود. لم يبكِ أحد، ولم يُسجل شجار واحد… فقط أعين تتابع الجرافات وهي تُسدل الستار على زمن مضى.
ربما لم يكن ذلك مجرّد هدم، بل إعلانًا صامتًا عن بداية جديدة، لمدينة تحاول أن تنهض من رمادها بخطى واثقة، مدفوعة برغبة جماعية في التغيير.