في
الوقت الذي تتسابق المدن المغربية نحو مشاريع التهيئة والتحديث الحضري، يظل النقل العمومي حجر عثرة يوميا أمام فئة واسعة من المواطنين، في مقدّمتهم الأشخاص في وضعية إعاقة. ويشير مهتمون بقضايا الإعاقة إلى أن عدداً كبيراً من الحافلات يفتقر لأبسط شروط الولوج، وأن الطرقات والمسالك الحضرية ما تزال غير مكيّفة مع حاجيات هذه الفئة، مما يجعل تجربة التنقل أقرب إلى معركة يومية من أجل كرامة مهدورة. وفي ظل اعتماد مقاربة تجارية صرفة في تدبير منظومة النقل، تغيب الاعتبارات الاجتماعية عن التخطيط والتسيير، فتُفرَغ الحقوق الدستورية من مضمونها، ويُترَك الأضعف خارج المعادلة.
في مدينة الرباط، يعبّر عدد من الأشخاص في وضعية إعاقة عن استيائهم مما يصفونه بـ”تجاهل ممنهج” لحاجياتهم في مجال النقل الحضري، مؤكدين أن العاصمة، رغم رمزيتها الوطنية، تظل من بين المدن الأقل التزامًا بإرساء آليات دعم فعلي لهذه الفئة. ويشير هؤلاء إلى أن مدنًا كفاس والدار البيضاء وأكادير بادرت مجالسها المحلية إلى اتخاذ خطوات عملية، من قبيل توفير بطاقات ولوج مدعّمة وتخصيص اعتمادات مالية لتيسير التنقل، في حين لا تزال الرباط تعيش خارج هذا السياق، دون مبرر واضح أو خطة معلنة. الاستثناء الوحيد، يذكر عدد منهم، هو شركة الترامواي، التي بادرت بشكل ذاتي إلى تسهيل بعض خدماتها، دون أن يكون ذلك نتيجة سياسة عمومية شاملة.
في ظل هذا الغياب المؤسسي، لا تتوقف الأمور عند حدود المشادات اللفظية، بل كثيرًا ما تنزلق إلى احتكاكات جسدية مباشرة، حيث تسجّل حالات عنف متبادل بين بعض المراقبين والأشخاص في وضعية إعاقة، في مشاهد تُخدش فيها الكرامة وتُختزل فيها العلاقة بين المواطن ومرفق عمومي في لغة القوة بدل القانون. ويؤكد مهتمون أن مثل هذه الحوادث ما كانت لتحدث لو تم تفعيل القوانين القائمة، لا سيما المادتين 13 و33 من القانون الإطار 97.13، والمرسوم 2.21.411، التي تنص صراحة على إعفاء الأشخاص في وضعية إعاقة من أداء تكاليف النقل العمومي كليًا أو جزئيًا. إلا أن هذه النصوص تبقى، بحسب المتابعين، حبرًا على ورق، لغياب المراسيم التطبيقية التي تضمن تنزيلها الفعلي ضمن منظومة الرعاية الاجتماعية.
يُجمع نشطاء في مجال الإعاقة على أن هذا الواقع المتأزم لا يعكس مجرد تقصير في الأداء، بل يُجسّد خللًا بنيويًا عميقًا في تمثل قضايا الإعاقة داخل السياسات العمومية. فالمقاربات، بحسب قولهم، لا تزال محكومة بالاستعجال وردود الفعل، وتغيب عنها الرؤية المتكاملة التي تجعل من إدماج ذوي الإعاقة أولوية فعلية لا مجرد بند في البلاغات الرسمية. ويشير هؤلاء إلى أن ما يُقدَّم على الأرض ليس سوى مبادرات شخصية أو محلية، تنبع من اجتهاد بعض المجالس أو حس اجتماعي لدى بعض الشركات، في غياب إطار وطني مُلزم يُؤسّس لتكافؤ حقيقي في الحق في التنقل والكرامة.