أصبحت المؤسسات الإعلامية في العصر الحديث تواجه صعوبات كبرى تهدد استقلاليتها، من بينها استخدام الإشهار كأداة ضغط من قبل المعلنين والمؤسسات ذات المصالح. فبينما يُفترض أن يكون الإعلام مستقلاً في نقل الأخبار وتحليل الأحداث، نجد أن بعض الجهات تستغل قوتها الاقتصادية للتحكم في الخط التحريري، مما يشكل تهديداً حقيقياً لحرية الصحافة وحق المواطن في الحصول على معلومات موثوقة ومستقلة.
لا شك أن المؤسسات الإعلامية تحتاج إلى التمويل من أجل الاستمرار، والإشهار يعد من أهم مصادر الدخل للصحف، القنوات التلفزيونية، والمواقع الإخبارية. لكن عندما يتحول المعلن من شريك اقتصادي إلى طرف متحكم في السياسة التحريرية، تصبح استقلالية الصحافة في خطر. إذ تلجأ بعض الشركات أو الجهات السياسية إلى التهديد بسحب إعلاناتها أو تقديم تمويل مشروط، مما يدفع بعض وسائل الإعلام إلى التخفيف من حدة انتقاداتها أو حتى الامتناع عن تناول مواضيع معينة.
تؤدي هذه الضغوط إلى التأثير المباشر على مضمون المحتوى الإعلامي، حيث يتم توجيه الأخبار والتحقيقات بما يخدم مصالح المعلنين، بدلاً من تقديم محتوى نزيه يعكس الواقع بحيادية. ونتيجة لذلك، يصبح الجمهور عرضة لمعلومات غير متوازنة، وقد يتم التلاعب بوعيه عبر خطاب إعلامي منحاز. وهذا يضرب في الصميم الوظيفة الأساسية للإعلام، التي تقوم على إيصال الحقيقة وتمكين المواطن من تكوين رأي مبني على معطيات دقيقة.
لمواجهة هذه الظاهرة، يجب على المؤسسات الإعلامية تنويع مصادر دخلها، بحيث لا تكون رهينة لمعلن أو جهة معينة. كما أن تعزيز التمويل القائم على الاشتراكات والدعم المجتمعي يمكن أن يوفر بديلاً عن الإشهار المشروط. إضافة إلى ذلك، يجب على الصحافيين الالتزام بمواثيق أخلاقيات المهنة التي تحميهم من الانحرافات التحريرية، إلى جانب دور المجتمع المدني في الضغط لضمان إعلام حر ومستقل.
يبقى استقلال الإعلام شرطاً أساسياً لديمقراطية سليمة، وأي تدخل في خطه التحريري، سواء عبر الإشهار أو أي وسيلة أخرى، يهدد هذا الاستقلال ويؤثر على جودة المعلومات المقدمة للجمهور. لهذا، فإن حماية الصحافة الحرة والنزيهة مسؤولية مشتركة بين الإعلاميين، الجمهور، والجهات المسؤولة عن تنظيم القطاع الإعلامي، لضمان فضاء إعلامي يحترم حق المواطن في المعرفة دون أي تلاعب أو توجيه.