حادث الاعتداء على تلاميذ مدرسة “بالإسكان الشعبي” بالقنيطرة يكشف مرة أخرى الوجه المعقد لإشكالية الأمن المدرسي في المغرب. فبينما تمكن تدخل رجال الأمن من تجنب كارثة حقيقية بعد أن أقدمت سيدة تعاني اضطرابات نفسية على رشق التلاميذ بالحجارة، فإن جوهر القضية لا يكمن في لحظة التدخل الأمني، بل في ما يسبقها من غياب سياسات وقائية تضمن حق الأطفال في التعلم داخل بيئة آمنة.
القضية ليست مجرد خبر طارئ ينتهي بانتهاء الحادث، بل هي مرآة لوضعية يتقاطع فيها الحق في التعليم مع الحق في الصحة النفسية والحق في العيش بكرامة. فالتلاميذ مهددون في سلامتهم الجسدية والمعنوية، والأسر تعيش على أعصابها كل صباح، فيما أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية يجدون أنفسهم في الشارع من دون رعاية أو إدماج. بين هذه الأطراف جميعاً تبرز مسؤولية الدولة والسلطات المحلية التي هي مطالبة بتأمين محيط المؤسسات التعليمية بشكل استباقي، لا بانتظار وقوع الفاجعة.
ومن زاوية حقوقية، لا يحق اختزال السيدة المعتدية في صورة “الخطر” فقط. فهي بدورها ضحية إهمال مزمن في قطاع الصحة النفسية الذي يعاني خصاصاً حاداً في الأطر والمؤسسات. الإشكال هنا مزدوج: أطفال بلا حماية كافية، ومرضى بلا علاج أو احتضان. النتيجة الطبيعية هي اصطدام هذين العالمين في الشارع أمام المدارس، حيث يتحول الخلل الاجتماعي إلى تهديد مباشر للأبرياء.
المطلوب إذن ليس فقط تعزيز الحضور الأمني في محيط المؤسسات التربوية، بل وضع سياسة مندمجة تراعي البعدين الأمني والاجتماعي معاً. مقاربة جديدة تجعل من المدرسة فضاءً آمناً مقدساً، وفي الوقت ذاته توفر الرعاية والاحتضان لكل شخص يعاني اضطراباً نفسياً، قبل أن يتحول إلى خطر على نفسه أو على الآخرين. الحادث الأخير بالقنيطرة يجب أن يكون جرس إنذار حقيقياً، لا مناسبة عابرة للنقاش. فسلامة التلاميذ ليست قابلة للمساومة، والحق في الصحة النفسية ليس ترفاً، بل أساس لاستقرار المجتمع كله.