با التهامي مول الكلة يغادرنا تاركاً صدى الذاكرة
المغرب – بصمت يليق بالكبار الذين يرحلون تاركين خلفهم أثراً عميقاً في الذاكرة الشعبية، غادرنا أمس الأربعاء 9 يوليوز 2025 “با التهامي مول الكلة”، أحد أبرز الوجوه التي ارتبطت طويلاً بفنون الفرجة في التقاليد المغربية الأصيلة، خاصة تلك التي تحتفي بالبارود وتكريم الفارس والتراث العريق.
لم يكن “با التهامي” فارساً يمتطي الجياد، بل كان فنان الفرجة بامتياز. كان يشعل لحظة “تخراج البارود” بأسلوبه الخاص والمميز، عبر طقس تكسير “الگلة” (جرة فخارية) وسط ساحة الموسم، في لحظة ينتظرها الجميع بشغف عارم، كأنها إعلان عن بداية العرس الشعبي الحقيقي ومفتاح انطلاق الاحتفالات.
كان حضوره يلهب الحماس في قلوب الجماهير، بصوته القوي الذي يصدح في الأرجاء، وهيبته التقليدية التي تليق به، وعباراته العفوية التي تشعل التصفيق وتنعش الروح الجماعية. جيل بعد جيل، ظل “با التهامي” جزءاً لا يتجزأ من طقوس لا تُكتب في البرامج الرسمية، لكنها ببساطة لا تكتمل من دونه.
وقد غصت صورُه وتسجيلاتُه بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث نعاه الآلاف ممن عرفوه أو صادفوه في موسم ما، أو دوارٍ ما، وهو يكسر الجرة بكل زهو، ثم يرفع صوته القوي معلناً أن البارود ليس مجرد “طلقة”، بل هو فرجة متكاملة، تقليد عريق، وجزء حي من الذاكرة الجماعية.
كتب أحد معجبيه كلمات مؤثرة تلخص مكانته: “با التهامي ما كانش كيسكت.. غير اليوم سكت، ولكن الفرجة اللي كان كيصاوبها غادي تبقى فالبال.”
برحيل “با التهامي مول الكلة”، تفقد الفرجة الشعبية المغربية أحد صنّاعها الأصيلين، ممن لم يسعوا يوماً للشهرة أو الأضواء، لكنهم أصبحوا رموزاً خالدة بحضورهم البسيط والعميق الذي لا يُمحى.
إنا لله وإنا إليه راجعون. وداعاً “با التهامي”، وداعاً لرجل كانت الجرة تُكسر بين يديه، والفرجة تولد من صوته الذي لن يُنسى.