تُعدّ برامج التحصين من أبرز النجاحات في مجال الصحة العامة؛ إذ تؤكد منظمة اليونيسف أن التلقيح يُنقذ سنويًا نحو 4.4 ملايين طفل من الوفاة حول العالم، ما يجعله من أكثر التدخلات الصحية فعالية من حيث التكلفة والتأثير. غير أن الصورة العالمية لا تزال مقلقة؛ ففي عام 2024، بلغ عدد الأطفال غير المُلقّحين أو غير مكتملي التلقيح نحو 20 مليون طفل، من بينهم 14.3 مليون طفل لم يتلقّوا أي جرعة على الإطلاق، ويعرفون بالأطفال “عديمي الجرعة”، مقارنة بـ12.9 مليون طفل في عام 2019. هذا التراجع يعزى في جانب منه إلى تداعيات جائحة “كوفيد-19” وتحديات الوصول إلى الرعاية الصحية في بعض المناطق.
في هذا السياق الدولي المتباين، يُشكّل المغرب استثناءً إيجابيًا؛ فقد حافظ على مستويات تلقيح عالية وثابتة خلال السنوات الأخيرة، ما يجعله نموذجًا يحتذى به في تعزيز الحق في الصحة والوقاية من الأمراض، وخاصة لدى الأطفال. وتظهر بيانات اليونيسف الخاصة بالمغرب أن برامج التلقيح الوطنية نجحت في تحقيق تغطية واسعة لمجموعة من اللقاحات الأساسية، مثل لقاح شلل الأطفال (IPV1) ولقاح المستدمية النزلية (HIB3)، ما يعزز مكانة المملكة في صدارة دول المنطقة من حيث الالتزام بحماية الطفولة عبر التحصين.
ووفقًا لبيانات حديثة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يُظهر المغرب أداءً قويًا ومستقرًا في تغطية تلقيح الأطفال خلال العقود الأخيرة، حيث حافظت المملكة على معدلات تطعيم عالية لمعظم اللقاحات الأساسية، في مقدمتها لقاحات “BCG”، و”DTP”، و”HEPB”، وغيرها.
تشير البيانات إلى أن لقاح “BCG”، المخصص للوقاية من مرض السل، بلغ معدل التغطية به 98% في عام 2024، وهي نسبة مستقرة منذ سنوات طويلة، حيث ظلت النسبة فوق 95% منذ عام 1995، بعد أن كانت لا تتجاوز 50% في أوائل الثمانينات.
أما بالنسبة للقاحات الثلاثية ضد الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي (DTP)، فقد وصلت نسبة التلقيح بالجرعة الأولى (DTP1) إلى 98% في 2024، فيما سجلت الجرعة الثالثة (DTP3) نسبة 96%، مما يدل على انتظام الأسر في استكمال جدول التلقيح. هذا يعكس استقرارًا في الأداء الصحي؛ إذ لم تنخفض التغطية دون 90% منذ أكثر من عقدين.
من اللافت أيضًا النمو المتسارع في تلقيح الأطفال بلقاح التهاب الكبد الفيروسي “ب” (HEPB3)؛ إذ ارتفعت نسبة التغطية من 10% فقط عام 2001 إلى 96% في 2024، مما يعكس جهودًا وطنية لتوسيع برامج التحصين وإدماج لقاحات جديدة ضمن الرزنامة الوطنية.
ويظهر إدخال لقاح “HEPBB” (لقاح التهاب الكبد الفيروسي “ب” عند الولادة) تحسنًا تدريجيًا؛ فقد ارتفعت التغطية من 4% فقط سنة 2009 إلى 80% في عام 2024، وهو ما يعزز فرص الوقاية المبكرة ويقلل مخاطر العدوى في الأيام الأولى من حياة الطفل.
ويُعد لقاح شلل الأطفال (IPV1) من اللقاحات الأساسية التي شهدت تطورًا ملحوظًا في المغرب خلال السنوات الأخيرة، حسب معطيات منظمة اليونيسف. ففي عام 2015، كانت نسبة التغطية به لا تتجاوز 33%، وارتفعت بشكل كبير لتصل إلى 95% بحلول عام 2024. هذا التحسن السريع يُظهر مدى فعالية الاستراتيجية الوطنية في إدماج اللقاحات الجديدة ضمن برنامج التلقيح الوطني، رغم البداية المتواضعة لتطبيق هذا اللقاح.
كما أظهر لقاح “HIB3″، المخصص للوقاية من الالتهابات الناتجة عن البكتيريا المستديمة النزلية من النوع B (مثل التهاب السحايا والتهابات الجهاز التنفسي)، تحسنًا واضحًا في معدلات التلقيح بالمغرب، وفق بيانات منظمة اليونيسف. فقد بلغت نسبة التغطية بهذا اللقاح 96% سنة 2024، بعد أن كانت في حدود 91% فقط عند بداية إدراجه في البرنامج الوطني سنة 2009.